كتاب أمبرتو إيكو: “التعرّف على الفاشية” ومخاطر الفاشية الجديدة

يقدم أمبرتو إيكو في كتابه “التعرّف على الفاشية”، الذي ترجم إلى الفرنسية مؤخرًا عن دار غراسيت، مقالة موسعة تمتد لأكثر من 60 صفحة، يصف فيها الفاشية من خلال 14 سمة مميزة. يبرز إيكو أن ظهور هذه السمات قد يؤدي إلى عودة “فاشية جديدة” قد تكون أكثر قسوة من فاشية موسوليني التي نشأت في عصره.
جذور الفاشية الجديدة
الكتاب هو في الأصل خطاب ألقاه إيكو باللغة الإنجليزية في جامعة كولومبيا عام 1995، بمناسبة الذكرى الخمسين لتحرير أوروبا. وقد نُشرت مقتطفات من هذا الخطاب لاحقًا في مجلة “نيويورك ريفيو أوف بوكس”. يعكس إيكو في خطابه تجربته الشخصية مع الفاشية الموسولينية، موضحًا أن الفاشية لم تكن ذات أساس أيديولوجي قوي مثل النازية، بل كانت تعبيرًا عن خطاب كراهية مفرط في العنصرية يهدف إلى ضمان بقاء الداعين إليها في السلطة عبر خلق “بعبع الآخر” الذي يُصوّر للشعب كمصدر الشر الوحيد الذي يجب القضاء عليه.
طبيعة الفاشية: فيروس سياسي
تشبه الفاشية في نظر إيكو الفيروس الناشئ من القذارة السياسية، حيث ينتشر عبر خطاب الكراهية الذي غالبًا ما تتبناه الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، كما يتجلى في خطاب مارين لوبان وحزب التجمع الوطني في فرنسا، الذي كان ليكتسح الساحة الفرنسية لولا تحالف الأطياف السياسية الأخرى ضده. هذا الخطاب لا يمتثل لأي نوع من المبادئ.
يشير إيكو إلى أن الفاشية، مثلما تطورت في زمن موسوليني، يمكن أن تتشكل بأشكال جديدة قد تكون متناقضة. على سبيل المثال، بينما بدأ موسوليني كملحد متشدد ثم فتح ذراعيه لاستقبال الأساقفة، نجد أن لوبان تحالفت مع اللوبي الإسرائيلي ضد العرب والمسلمين رغم أنها تمثل أقصى اليمين الذي يُفترض نظريًا أنه ضد السامية. وهذا يؤكد حقيقة أخرى ذكرها إيكو، وهي أن الفاشية، مثل جميع الأفكار المتطرفة، تنمو بسهولة في المجتمعات التي تتعايش فيها عناصر مختلفة في صراع مستمر.
الفاشية كعقيدة للمتعطشين للسلطة
يؤكد إيكو أن الفاشية الجديدة تتكيف مع أي نظام سياسي، لأنها عقيدة المتعطشين للسلطة الذين يسعون لاستئصال الآخر المختلف، معتقدين أنه السبب في عرقلة مسيرتهم. يشير إيكو إلى أنه إذا أزلت الإمبريالية من الفاشية، ستحصل على أشكال أخرى مثل فرانكو وسالازار، وإذا أزلت الاستعمار ستحصل على الفاشية البلقانية، وهكذا.
تأملات شخصية ومجتمعية
أهمية كتاب إيكو تكمن في تأملاته العميقة وتجربته الشخصية مع الفاشية. ولد إيكو تحت حكم موسوليني، وفي سن العاشرة فاز بجائزة في مسابقة “Ludi Juveniles” التي أطلقها النظام الفاشي. يعبر إيكو عن مرارته من خلال هذا الاعتراف، وهو يهدف إلى تنبيه الشباب العالمي إلى أن الأنظمة التي تدعي الحرية والمساواة قد تسعى في الحقيقة إلى خلق عالم مستعبد وموجه.
السمات الـ14 للفاشية
يركز إيكو على 14 سمة تعتبر جوهر الفاشية، وهي:
- عبادة التقاليد
- رفض الحداثة
- اللاعقلانية
- رفض النقد والفكر النقدي
- الخوف من التنوّع
- إحباط الطبقات الوسطى
- تصوير الخصوم كأعداء
- تكريس فكرة الحرب الدائمة
- تكريس الفكر الشعبوي واحتقار الطبقات
- ابتكار بطولات جماهيرية
- استعمال الخطاب السهل الشعبوي
- تقديس الزعامة والرجولة
- إعمال “الشعبوية النوعية”
- إنكار الحقوق الفردية
تأثيرات الكتاب
يأتي كتاب إيكو كتحذير من أن الفاشية يمكن أن تتخذ أشكالاً جديدة تظل تشترك في نفس السمات الأساسية. يبرز الكتاب أيضًا كيف أن الإعلام الغربي يمكن أن يتلاعب بحقيقة الحرية والتحرر، خاصة في سياق الصراع الفلسطيني، حيث يتم تجاهل المظالم المستمرة والمعاناة اليومية للشعب الفلسطيني. يشير إيكو إلى أن هذا التجاهل يعكس السمات الفاشية التي يمكن أن توجد في سياسات العالم المعاصر، ويؤكد على ضرورة الوعي والتصدي لهذه الأيديولوجيات بأشكالها المختلفة.